اكذوبتان حول الشريف الرضي

اشارة

نام كتاب: أكذوبتان حول الشريف الرضي

نويسنده: عاملى، جعفر مرتضى

تاريخ وفات مؤلف: معاصر

موضوع: سرگذشت نامه- دفاعيه ها و رديه ها

زبان: عربى

تعداد جلد: 1

ناشر: المهدي

مكان چاپ: قم

سال چاپ: 1366 ه. ش

نوبت چاپ: اول

تقديم

: بسم اللّه الرحمن الرحيم، و الحمد للّه رب العالمين، و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين، و اللعنة على أعدائهم أجمعين الى قيام يوم الدين.

و بعد ...

فقد سنحت لى الفرصة للبحث حول أمرين يرتبطان بالشريف الرضى رحمه اللّه تعالى ... و قد يرى البعض: أنه يمكن تاجيل البحث فى موضوعات كهذه الى فرصة أخرى ... بل لا ضرورة للاشتغال فى بحث أمور ترتبط بالأشخاص، و الافراد، من أجل توفير الفرصة الى ما هو أهم و أولى ...

و لكننا نرى: أن هذا الرأى لا يملك ما يكفى لتوفير الحد الادنى من الاقناع لدى العلماء و الباحثين، الّذين يرون كيف تمتد الأيدى المشبوهة لتتلاعب و لتشوه الحقائق، و لطمس معالم الشخصية الفكرية و القيادية للكثيرين من الذين يتحول الارتباط بهم من حالة فكرية الى حالة تنطلق من اعماق الوجدان، و

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 6

تغدوها العاطفة ...

فتشويه المعالم الحية و النبيلة فى الشخصية الفكرية القيادية و زعزعة ثم تدمير العلاقة الروحية و الفكرية، و العاطفية بين تلك الشخصية و بين الآخرين ينشأ عنه ان يصبح التعامل لهؤلاء مع تلك الشخصية جافا و جامدا، و رياضيا اكثر مما هو تعامل يزخر بالمعانى السامية، و تحركه حرارة العاطفة، و تهمين عليه روح الحب، و الود و الصفاء ...

و اذن ... فلا يكون البحث عن احوال، و اتجاهات و سلوك بعض الشخصيات التي تسموا لى مستوى القدوة و الاسوة- لا يكون- ترفا فكريا، يراد منه اشباع

غريزة حب الاستطلاع، و لا أثر له على الصعيد الفكرى و العقيدى، و السلوكى.

و انما يكون خطوة جادة و أساسية على طريق تركيز الربط و العلاقة الروحية و الفكرية على اسس صحيحة، قوية و ثابتة بين التابعين و السابقين، من أجل تجسيد المثل الاعلى، و توضيح معالم الشخصية التي تسمو حتى تصل الى مستوى القدوة و الاسوة ...

و من هذا المنطلق بالذات كانت دراستنا لبعض ما يرتبط بشخصية الشريف الرضى رحمه اللّه ... و توضيح صحة أوزيف بعض ما ينسب اليه رضوان اللّه تعالى عليه ...

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 7

على أمل ان يفيد ذلك فى خدمة الدين و الحق ...

و اللّه هو الموفق و هو الهادى الى سواء السبيل ...

قم المقدسة ... جعفر مرتضى العاملى

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 8

تمهيد

الشريف الرضى ... هو ذلك الرجل العظيم، الذى يمتلك الشخصية الفذة، التي يعنولها كل عظماء التاريخ، الذين جاءوا بعده، بالاجلال و الاكبار ... و كانت و لا تزال تستأثر منهم، و من كل مفكر و نيقد، أراد أو يريد دراسة هذه الشخصية الفذة باسمى آيات التعظيم و التكريم، حيث يجدون فيها كل الخصائص الانسانيّة النبيلة، التي تملا نفوسهم، و تنبهر بها عقولهم، و تعنو لها ضمائرهم ...

و لعل من يسبر ثنايا التاريخ لا يكاد يعثر على أى مغمز، او هنات فى شخصية هذا الرجل العملاق. بل على العكس من ذلك تماما، فانك مهما قرأت عن حياة هذا الرجل، فلن تجد الا آيات المدح و الثناء، و المزيد من الاعجاب و الاطراء، من محبيه و مناوئيه على حد سواء ...

الا أننا- مع ذلك- لا نستطيع أن نولى هذا التاريخ كل الثقة،

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص:

9

و لا أن نمنحه كل الطمأنينة ... فلعل ... و عسى ... و قد ... و لربما ...

فما علينا، الا ان ندرس التاريخ و نصوصه دراسة مستوعبة و شاملة، من شأنها أن تقضى على كل أمل بالعثور على المزيد مماله مساس بهذه الشخصية، أو بتلك ...

كما أن علينا أن نهتم بكل صغيرة و كبيرة، و أن لا نعتبر هذا تافها، و ذاك ثمينا، الا بعد البحث، و التمحيص، و التدقيق و المعاناة ... فالتافه ما أثبت البحث تفاهته، و كذبه و زوره، و الثمين ما يستمد قيمته من صدقه، و واقعيته، و ذلك هو ما يثبت أصالته و جدارته أيضا ... شرط أن لا يفوتنا ملاحظة الدوافع و الاجواء التي شجعت أصحاب المطامع و الاهواء على ارتكاب جريمة الوضع و الاختلاق و التزوير و التجنى، فان لذلك اهمية خاصة فى أية دراسة تريد ان تكون مثمرة و نافعة، و بناءة، كما هو معلوم لدى كل أحد ...

و بالنسبة للشريف الرضى رضوان اللّه تعالى عليه، فانه لم يسلم أيضا من سهام الدس و التزوير، و الافتراء ... رغم أن البحث المستقصى قد أثبت عظمته و جدارته، و ابان بما لا يقبل الشك عن نبله، و سمو نفسه، و عن كرائم اخلاقه، و حميد خصاله، و جميل فعاله ...

نعم .. لم يسلم السيد الشريف، من سهام الحقد و الضغينة،

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 10

و لا كان فى منأى عن الدساسين و الوضاعين ... حيث نجد فيما بين ايدينا نصين متميزين، غريبين فى نفسهما، الأمر الذى اضطرنا لخوض غمار البحث، من أجل اثارة الكوامن، و تسليط الاضواء الكاشفة، لينكشف زيف الزائف، و يبطل خداع السراب ...

أكذوبتان حول الشريف

الرضي، ص: 11

الاكذوبة الاولى:

هل كان الشريف الرضى زيديا؟!.

اشارة

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 13

اتهام الشريف بالزيدية

: قال ابن عنبة:

«و وجدت فى بعض الكتب: أن الرضى كان زيدى المذهب، و أنه كان يرى: أنه أحق من قريش بالامامة» .

مناقشة النص

اشارة

و نقول: ان ذلك لا يصح، فان كونه رحمه اللّه تعالى اماميا اشهر من النار على المنار، و من الشمس فى رابعة النهار ... و وضوح ذلك الى حد: أنه لا يحتاج الى بيان، و لا الى اقامة برهان ...

و مع ذلك، فاننا نشير الى ما يلي:

1- قال السيوطى، عن والد الشريف الرضى، فى كتابه: حسن المحاضرة فى تاريخ مصر و القاهرة:

«... كان الشريف أبو أحمد، سيدا عظيما، مطاعا. و كانت

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 14

هيبته اشد هيبة، و منزلته أرفع المنازل. و لقبه ب: «الطاهر» و «الاوحد» و «ذوى المناقب». و كانت فيه كل الخصال الحسنة، الا أنه كان رافضيا هو و أولاده، على مذهب القوم ...» .

2- بل لقد كان هو و أبوه، و أخوه من رؤساء الشيعة، قال ابن تغرى بردى: «... عالى الهمة، متدينا، الا أنه كان على مذهب القوم، اماما للشيعة، هو، و أبوه، و أخوه ...» .

و واضح: أنه يقصد كونه اماما للشيعة الاثنى عشرية الامامية، الذين كانوا يعيشون فى بغداد، و لا سيما فى محلة الكرخ المشهورة، و كان الشريف، و أبوه، و أخوه من كبار الشخصيات التي قامت بدور هام فى الدفاع عن هؤلاء الشيعة و الحفاظ عليهم فى الفتن التي كان تحصل بينهم و بين غيرهم و كذلك قامت بالدور القوى و الفاعل فى نشر و ترسيخ هذا المذهب ...

3- و مما يؤيد كونه اماميا: أنه الف فى حداثة شبابه كتابا فى خصائص الائمة الاثنى عشر عليهم السلام، و لكنه لم يتمه .

أكذوبتان

حول الشريف الرضي، ص: 15

4- كما أن مما يؤيد ذلك أنه قد ذكر قبور الائمة الاثنى عشر عليهم السلام، فى قصيدته البائية، التي منها:

سقى اللّه المدينة من محل لباب الماء، و النطف العذاب

و جاد على البقيع و ساكنيه رخى الذيل، ملان الوطاب

و اعلام الغرى و ما استباحت معالمها من الحسب اللباب

و قبر بالطفوف يضم شلوا ... الى آخر القصيدة ... 5- و قال الدكتور عبد الفتاح الحلو: «و ربما اكد نسبة الرضى الى الامامية قوله فى مخاطبة بنى امية:

بنى أمية ما الاسياف نائمةعن ساهر فى اقاصى الارض موتور

فهو يعنى الامام الثاني عشر المنتظر، ان لم يكن يعنى نفسه .

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 16

5- و يؤيد ذلك أنه رحمه اللّه قد ذكر الأئمة الاثنى عشر فى قصيدته الأخرى، المشهورة، التي قالها و هو بالحائر الحسينى، و التي مطلعها:

كربلا لا زلت كربا و بلاما لقى عندك آل المصطفى

الى أن قال:

معشر منهم رسول اللّه و الكاشف للكرب اذا الكرب عرا

صهره الباذل عنه نفسه و حسام اللّه فى يوم الوغى

أول الناس الى الداعى الذى لم يقدم غيره لما دعا

ثم سبطاه الشهيدان فذابحسى السم و هذا بالظبا

و على، و ابنه الباقر و الصادق القول، و موسى، و الرضا

و على، و ابوه، و ابنه و الذى ينتظر القوم غدا

يا جبال المجد عزا و علاو بدور الارض نورا و سنا

هل هذه القصيدة منحولة؟!

هذا ... و قد حكم البعض على هذه القصيدة، أو احتمل كونها منحولة، و ليست من شعر الشريف الرضى رحمه اللّه تعالى، و انّما دسها عليه بعض الامامية. ثم استدلوا على ذلك بقولهم:

«لما فيها من العقائد، و الليونة، التي لا توائم نفس الشريف».

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 17

و قد أوضح ذلك الدكتور الحلو بقوله:

«و لعل

أفضل وسيلة للحكم عليها هى الرجوع الى قصائد الرضى الأخرى فى رثاء الحسين إلخ ... ».

ثم ذكر موجزا عن معانى تلك القصائد مع هذه القصيدة، ثم قال:

«و قد استبان من هذا العرض للمعانى، التي وردت فى القصائد الاربع الاولى، و القصيدة الأخيرة: انه لا نسب بين هذه الاربع و بينها، فهذه الشكاة التي تنضح بها القصيدة الأخيرة، و الاستغاثة بالرسول (ص)، و خصومته لبنى أمية فى الدار الآخرة، و وقوفه موقف المظلوم، و تعداد الائمة، و اعتبارهم الشافين من العمى، و الشفعاء مع الرسول يوم القيامة، كل هذا لم نعهده من الرضى فى رثائه لابى عبد اللّه الحسين.

و انما عهدناه ثائرا، تلمع نصول السيوف فى شعره، و تتطاول لهاذم الاسنة، مهددا بيوم يجرد فيه الخيل للوغى، لا بالعقاب و الحساب فى يوم القيامة.

اما بناء القصيدة ... فان وصف جميعه بالليونة امر مبالغ فيه، و لكن بعض ابياتها لين، لا يشبه شعر الرضى، مثل قوله:

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 18 يا رسول اللّه، يا فاطمةيا امير المؤمنين المرتضى

كيف لم يستعجل اللّه لهم بانقلاب الارض، أو رجم السماء

لو بسبطى قيصر أو هرقل فعلوا فعل يزيد ما عدا

لو رسول اللّه يحيا بعده قعد اليوم عليه للعزا

و ظنى الغالب: ان هذه القصيدة مصنوعة و منسوبة الى الشريف الرضى، اراد صاحبها لها الذيوع و الانتشار فى محافل عاشوراء، فاجتهد ما وسعه الاجتهاد فى أن يضع عليها ميسم الرضى و خانه التوفيق فى بناء بعض ابياتها، كما فضحه حشو القصيدة بعقائد لم يمرن عليها الرضى فى شعره، و لم ينضح بها قريضه ...».

هذا غاية ما ذكره هؤلاء المشكوكون أو الجازمون بعدم صحة نسبة القصيدة الى السيد الشريف ...

مناقشة ما تقدم

: و نقول:

1- ان كل

ما ذكر لا يبرز هذا الحكم الجائر على هذه القصيدة، اذ أن من الواضح: أن عدم ذكر بعض العقائد فى شعر شاعر، لا يعنى أنه قد أقسم ان لا يذكر ذلك فى أى من أشعاره

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 19

الأخرى على الاطلاق، فقد يجد مناسبة لذكر ذلك، و لو فى مورد واحد، فى شعره ... و ما أكثر الامور التي لا يتعرض لها الشاعر فى شعره الامرة واحدة، و لا سيما اذا وجد المناسبة المثيرة لها ...

2- و أما فيما يختص بالابيات التي ذكر أنها لينة، لا تشبه شعر الرضى .. فاننا- و للاسف- لم نجد فيها هذا اللين المدعى، بل نجد فيها من حسن السبك، و جمال التركيب، و قوة المعنى ما لا نجده فى كثير سواها ... و مجرد دعوى ذلك، لا تسمع، ما دمنا نجد فى الواقع خلافها ...

3- ثم .. من الذى قال: ان شعر كل شاعر يجب أن يكون فى مستوى واحد، من حيث القوة و الجزالة، و غير ذلك من خصائص؟! ... فان أجواء الشاعر، و درجات صفاء نفسه، و جودة قريحته تختلف من وقت لآخر، و من مناسبة لأخرى ...

4- كما أن من الطبيعى أن يجد الشاعر نفسه أحيانا بحاجة الانشاد شعر عاطفى، و لا سيما اذا كان فى مقام سبط النبي الاعظم صلى اللّه عليه و آله و سلم، و ريحانته، و سيد شباب أهل الجنة، أى فى الحائر الحسينى الشريف ... حيث يتذكر الانسان تلك الفظائع، و الفجائع، التي ارتكبها الظالمون فى حق أطهر و أقدس ناس كانوا على وجه الارض ... فلا عجب اذا رأيناه يضمن شعره الكثير من الشكوى، و الاستغاثة الصادقة، و اظهار

المظلومية، اذا أراد

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 20

للقصيدة أن تكون مثيرة لعواطف الناس، و أحاسيسهم فى مناسبة عاشوراء بالذات .. و قد يقف الثائر الذى تلمع فى شعره نصول الاسنة موقف المتظلم الشاكى، و المستغيث برسول اللّه (ص) الاظهار عظمة الفاجعة، و هو الجريمة، و فظاعة المأساة ...

سبب نسبة الرضى رحمه اللّه الى الزيدية

: و قد وجه ابن عنبة نسبة الزيدية اليه، و قوله: بانه أحق من قريش بالامامة، بقوله:

«و أظن انما نسب الى ذلك لما فى اشعاره من هذا، كقوله يعنى نفسه:

هذا امير المؤمنين محمدطابت أرومته و طاب المحتد

أو ما كفاك بأن أمك فاطم و اباك حيدرة و جدك أحمد

و أشعاره مشحونة بذلك، و مدح القادر باللّه، فقال فى تلك القصيدة:

ما بيننا يوم الفخار تفاوت ابدا كلانا فى المفاخر معرق

الا الخلافة ميزتك فاننى أنا عاطل منها و انت مطوق

فقال له القادر باللّه: على رغم انفك الشريف ».

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 21

اما الشيخ عبد الحسين الحلى، فيرى: «ان تلك التهمة- الزيدية- قد لصقت به من قبل آبائه لأمه، بنى الناصر الكبير، ابى محمد (الحسن الاطروش) صاحب الديلم.

لكن هذا قد ثبت لدى علماء الرجال من الامامية، و فى طليعتهم السيد الشريف المرتضى علم الهدى، فى كتابه: «شرح المسائل الناصرية» نزاهته، و نزاهة جميع بنيه عن تلك العقيدة المخالفة العقيدة اسلافهم. سوى ان اصطلاح الكتاب أخيرا، جرى على تسمية الثائر فى وجه الخلافة زيديا، و لمن كان بريئا من عقائد الزيدية، يريدون: انه زيدى النزعة، لا العقيدة.

و ربما تطرفوا، فجعلوا لفظ «زيدى» لقبا لكل من تحمس للثورة، و طالب بحق، زعم أنه أهله، و ان لم يجرد سيفا، و لم يحد قيد شعرة عن مذهب الامامية فى الامامة، و لا عن طريقة

الجماعة ...

و لقد كان أبو حنيفة فى نقل أبى الفرج الاصبهانى زيديا، و كذا أحمد، و سفيان الثورى، و أضرابهم من معاصريهم.

و مراده من زيديتهم: أنّهم يرون أن الخلافة الزمنية جائرة، و أن الخارج آمرا بالمعروف أحق بالاتباع و البيعة ... ».

و قال: «الذى يقال: انه امام الزيدية هو الملقب بالداعى

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 22

الى الحق، و هو الحسن بن زيد ... توفى بطبرستان سنة 250 ...

و اما الحسن بن على، الملقب بالناصر للحق الكبير، و هو الاطروش، احد اجداد الشريف لامه، و الحسن او الحسين ابن على (أو ابن احمد)، الملقب بالناصر الاصغر، و هو و الدام الشريف، فليسا من أئمة الزيدية.

و من زعم أن الناصر امام الزيدية، فقد اشتبه عليه الداعى للحق، بالناصر للحق.

و لا يبعد دعوى اتباعه أنه زيدى، لكنه برى ء عن تبعة اعتقادهم إلخ ».

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 23

الاكذوبة الثانية: الشريف الرضى فى المجالس المجون ...

اشارة

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 25

التهمة فى سياقها التاريخى:

يقول الحصرى:

«شرب كوران المغنى عند الشريف الرضى، فافتقد رداءه، و زعم أنه سرق فقال له الشريف: ويحك، من تتهم منا؟ أما علمت أن النبيذ بساط يطوى ما عليه؟! ...

قال: انشروا هذا البساط، حتى آخذ ردائى، و اطووه الى يوم القيامة .».

مناقشات ... قابلة للرد

اشارة

: و نقول: اننا فى مجال مناقشة هذا النص، لا نريد أن نتوقف

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 26

كثيرا عند الامور التالية:

الف:

ان الحصرى لم يذكر لنا سند هذه الرواية، و لا أعرب عمن نقلها عنه.

و قد يمكن الاعتذار عنه: بأن من الممكن أن يكون الحصرى، قد نقل ذلك عن ثقة، لا يتعمد الكذب و الوضع ... كما أنه لم يأخذ على عاتقه ان يذكر اسانيد الروايات فى كتابه ...

باء:

و لا نريد أن نناقش فى حرمة النبيذ، فنقول: ان حرمته غير مسلمة لدى جميع الفقهاء ...

اذ أن الشريف رضوان اللّه تعالى عليه، قد كان من طائفة الامامية الذين يرون حرمة النبيذ، كسائر أنواع الخمر ...

جيم:

و لا بان هذا النص لم يتضمن مشاركة الشريف الرضى رحمه اللّه فى الشرب،.

إذ أن مجرد كون مجلس الشراب فى بيته، و حضوره فيه، كاف فى اثبات الادانة له.

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 27

دال:

و لا بأننا رغم بحثنا الجاد، لم نعثر على ذكر لكوران المغنى هذا، الذى ورد اسمه على أنه بطل هذه الحادثة.

اذ قد يمكن الجواب عن ذلك، بأن عدم ذكره فى غير هذه الحادثة، لا يدل على عدم وجوده، فضلا عن أن البحث و التنقيب قد يؤدى الى العثور على شي ء مما يرتبط به.

هاء:

و لا نريد أيضا: أن نقول- كما يقول البعض-: ان «الرضى لا يشغل بنقاش مع كوران المغنى، من أجل ثوب مسروق، و لا يعقل أن يظن كوران بالشريف- مع جلالة قذره، و عظم محله- أو أحد جلسائه، سرق الثوب. ان هذا لو قيل فى مجالس الفتاك و الصعاليك، لكان له محل من التصديق، أما فى مجلس الرضى، فلا يرد مثل هذا ...».

اذ قد يجاب عن ذلك: بأن الخبر قد سيق على سبيل الدعابة، و هى لا تأبى عن ذلك كله ...

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 28

لا .. لا نريد ان نتوقف عند كل ما ذكرناه، و لا أن نصر عليه، على اعتبار انه كله او بعضه كاف فى وهن هذه الرواية، و عدم اعتبارها.

و انما نريد هنا: ان نلقى نظره سريعة على واقع و اخلاقيات السيد الشريف الرضى رحمه اللّه تعالى، لنرى:

ان كانت تنسجم مع اشتراكه فى مجالس كهذه، او لا ...

و لا نريد أن نتشبث هنا بما يذكره كل من ترجم للشريف، حيث يؤكدون بما لا مزيد عليه، على ابائه، و عزة نفسه، و طموحه الى جلائل الاعمال، و عظائمها، و تحليه بمحاسن الاخلاق و كرائمها، و ترفعه عن كل مهين، و تجنبه كل مشين، و ما الى ذلك ..

فلربما يقال: ان هذا كله لا يتنافى مع صدور ذلك منه رحمه

اللّه، فان شرب النبيذ، و الحضور فى مجالسه، لم يكن عيبا، و لا هو مخل بالمروءة، و لا مهينا للكرامة، بعد أن كان الاعيان و الاشراف، و حتى الخلفاء يمارسون ذلك، و لا يأبون عنه، و لا يرون فيه أى محذور ...

المناقشة المعقولة

اشارة

: و انما نريد ان نشير الى ما يلي:

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 29

اولا:

ان الشريف رحمه اللّه تعالى، كان منزها عن مثل هذه الاعمال لأنه كان ورعا، متدينا، ملتزما بالدين و قوانينه، حيث يقولون عنه، انه:

«كان صاحب ورع، و عفة، و عدل فى الاقضية، و هيبة فى النفوس ».

و أن: «أمره فى العلم، و الفضل، و الادب، و الورع، و عفة النفس، و علو الهمة، و الجلالة، أشهر من أن يذكر ».

و انه كان «عالى الهمة، متدينا، الا أنه كان على مذهب القوم، اماما للشيعة، هو، و أبوه، و أخوه ...» .

و انه «الشاعر، العالم، الزاهد ».

و «ان المتتبع لحياة الرضى، لا يستطيع أن يجد مغمزا فى دينه، فلم يؤثر عنه: انه انتهك حرمة من الحرم، أو اخذ فيما كان يأخذ فيه الناس فى ذلك العهد، من متاع الدنيا، حيث يتجاوزون ما أحله اللّه، الى ما حرمه ».

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 30

و انه كان: «... فاضلا، عالما، ورعا، عظيم الشأن ».

و ان «فيه ورع، و عفة، و تقشف ».

و يقول عنه ابن الجوزى: «... كان عالما، فاضلا، و شاعرا مترسلا، عفيفا، عالى الهمة، متدينا ».

و يقول المعتزلي الحنفى: «كان عفيفا، شريف النفس، عالى الهمة، ملتزما بالدين و قوانينه .

و اخيرا ... فقد قال عنه الخونسارى: «كان فى غاية الزهد، و الورع، صاحب حالات، و مقامات، و كشف و كرامات .. ».

ثم ذكر قصة جرت بينه، و بين أخيه السيد المرتضى رحمه اللّه

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 31

تعالى، ملخصها:

أنه اقتدى يوما بأخيه المرتضى فى بعض صلواته، فلما دخل فى الركوع قطع الاقتداء به، و قصد الانفراد، فسئل عن سبب ذلك، فقال: انه لما دخل

فى الركوع رأى أخاه الامام يفكر فى مسألة من مسائل الحيض، و قلبه متوجه اليها، و هو يغوص فى بحر من الدم.

و فى نص آخر: انه قال لاخيه، بعد ما فرغ من الصلاة: لا أقتدى بك بعد هذا اليوم ابدا ...

فسأله عن سبب ذلك، فأخبره، فصدقه المرتضى، و انصف، و التفت الى انه أرسل ذهنه أثناء تلك الصلاة فى مسألة من مسائل الحيض، كانت سألته عنها بعض النسوة، فى اثناء مجيئه الى الصلاة ... ».

و لكن الدكتور الحلو، يقول عن هذه الحادثة، ما يلي:

«و هذا خيال مجنح، لفقه حوله من ظن: أنه لا قدر للرجال الا اذا سيقت فى سيرتهم الكرامات، و لو كانت على هذا النحو المقزز، من ذكر الدماء، و الصراخ و العويل ».

و لكننا نقول: ان ما ذكره لا يبرز انكاره لهذه الحادثة من

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 32

أساسها، فان اضافة بعض الكلمات غير المناسبة من قبل الراوى، لا يبرر هذا الحكم القاسى على أصل الرواية ...

هذا بالاضافة الى ان حالة الكشف و الاطلاع على الامور الخفية، ليست من الامور المستهجنة. و قد ذكرت الكتب التي تتحدث عن أهل الذكر، و الزهد، و التقوى، و العبادة، الشي ء الكثير مما يدخل فى هذا المجال، بحيث يقطع الانسان بصدور بعضه فعلا ...

كما انه قد سبق منه نفسه قبول النص الذى يقول: ان ام الشريفين هى التي سلمتهما للشيخ المفيد، ليتولى تعليمهما، رغم انه هو نفسه لم يقبل بعض الفقرات التي وردت فى تلك الرواية.

و لسوف نشير اليها فى اواخر هذا البحث ان شاء اللّه تعالى ...

ثانيا:

اشارة

اننا اذا رجعنا الى شعر الشريف الرضى، فاننا نجد الدلائل العديدة، التي تجعل قبول رواية الحصرى، أمرا صعبا،

و حتى مرفوضا وفق المعايير العلمية، المقبولة ... فنحن نشير فى هذا المجال الى الامور التالية.

ألف:

قال الشيخ عبد الحسين الحلى: «اننا نعتقد: ... انه لم يجالس

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 33

الخلعاء، و الظرفاء، الذين يستخفون بالنواميس فى ايام شبيبته.

و أنه لذلك لم يصرف شيئا من شعره فى فنون المهازل و المجون، فان هذا يدلنا على أنه لم يعمل ما يعتذر عنه، و لا يصانع أحدا سترا على نفسه، و لذا نجده، و هو بمرصد من أعدائه، لا يحفل أن يجاهر بمثل قوله:

عف السرائر لم تلط بريبةيوما على مغالقى و سجوفى

و قوله:

أنا المرء لا عرضى قريب من العداو لا فىّ للباغى علىّ مقال »

باء:

انننا نجده هو رحمه يقول عن نفسه:

و انى لمأمون على كل خلوةامين الهوى، و القلب، و العين و الفم

و غيرى الى الفحشاء ان عرضت له اشد من الذؤبان عدوا على الدم

جيم:

و حين يخبر عن نفسه رحمه اللّه تعالى، بأنه قد طلق الدنيا،

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 34

حيث يقول:

ما لى الى الدنيا الغرورة حاجةفليخز ساحر كيدها النفاث

سكناتها محذورة و عهودهامنقوضة، و حبالها أنكاث

طلقتها الفا لا حسم داءهاو طلاق من عزم الطلاق ثلاث

نجد مهيار الديلمى، يؤكد على صحة هذا الطلاق، و واقعيته فيقول فى مرثيته له:

ابكيك للدنيا التي طلقتهاو قد اصطفتك شبابها و عرامها

و رميت غاربها بفضله معرض زهدا، و قد القت اليك زمامها

و فى نص آخر: و رميت غاربها بفتلة حبلها إلخ ...

دال:

و قد قالوا عن شعر الشريف الرضى رضوان اللّه تعالى عليه الشي ء الكثير، و هذه بعض النماذج التي لا بد من ملاحظتها فى هذا المجال ...

1- «ليس له شعر فى الهجاء، يشبه هجاء الشعراء، الذين كانوا يهجون بقبيح القول، و الالفاظ الفاحشة ...

فالشريف ان وجد فى شعره ما يشبه الهجاء، فهو بالفاظ نقية إلخ ... ».

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 35

2- «و لم يكن يخرج من فم هذا الرجل النبيل حقيقة كلمة واحدة من الكلمات القبيحة، التي يتلفظ بها العامة، التي نجد مثلها عند ابراهيم الصابى، صاحب ديوان الرسائل، و عند الوزير المهلبى، و عند الوزير ابن عباد ...

و اذا كان غيره من الشعراء قد استباحوا لانفسهم فى الذم كل قبيح، فاننا لا نجد للشريف الرضى فى باب الهجاء، أقوى من ذمه لمغن، بارد، قبيح الوجه:

تغفى بمنظره العيون اذا بداو تقيى ء عند غنائه الاسماع

اشهى الينا من غنائك مسمعازجل الضراغم بينهن قراع »

و نحن نلاحظ هنا: انه حتى فى هذا المورد، قد نزع الى التغنى بما تهفو اليه نفسه، و يشده اليه طموحه و وجده، الا و هو معالى الامور و عظائمها،

و جلائل المرامى و كرائمها، مما لا ينال الابركوب الاهوال، و مقارعة الضراغم و الابطال، كما صرح به فى شعره الآنف الذكر ...

3- و فيما يرتبط بغزل الشريف الرضى رضوان اللّه تعالى عليه، نجدهم يقولون:

«لم يزل زلّة واحدة، و لم ينحرف به الطريق عن العفة،

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 36

و الشرف، و الخلق الرفيع فى هذا الباب ».

و يقولون أيضا: «... و الذى نقرؤه من مجموعتى أخلاقه، و شعره: ترفعه عن نوع من الغزل، يستعمله الخلعاء، أو ما يشبه العبث و المجون.

و هذا النوع، قد لا تطاوعه شاعريته عليه لو أراده، و هو الذى يخل بمقامه و شرفه ... ».

4- و اما فيما يرتبط بوصفه للخمرة، و مجالس الغناء، و ما أشبه ذلك، فيرى المحققون:

أننا «اذا تحققنا: أن الشريف، لم يشرب، و لم يسمع، و لم يجالس ارباب اللهو، و المهازل، و لم يتخذ الندمان، و لم يستعمل الملاهى، فاننا نعذره فى الاوصاف، سيما ما يكون منها مقترحا عليه، لأنها تقع فى زمنها لاسباب مجهولة، لا يصح الحكم عليها بشيى ء.

و الوصف بمجرده، لا يقدح بصاحبه، و ان أظهر بمظهر الحاضر المشاهد ... ».

و كذلك هم يقولون: «و لا يليق أن نمدح الشريف الرضى

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 37

بأن شعره خال من المجون، الذى كان شائعا فى ذلك العصر، فهو أجل قدرا، و أرفع شأنا من أن نمدحه بذلك ...

كما ان شعره خال من وصف الخمرة، و ان وصفها كثير من الشعراء الذين لا يتعاطونها. و لكن الشريف لم يصفها الا بسؤال من سأله ذلك، على لسان بعض الناس، فوصفها بعدة ابيات لم يصفها بغيرها ... ».

و قالوا أيضا: «لم ير فى شعر الرضى وصف الخمر،

و حين وصفها بقوله:

راح يحول شاعهابين الضمائر و العقول

ذكر فى مقدمتها: انه سئل القول فى ذلك.

و كذلك حين ذكر الخمر مقدمة لقصيدته فى الغزل، و وصف الروض، و كانت من اول قوله، فقال:

اسقنى فاليوم نشوان و الربى صاد و ريان

ذكر فى مقدمتها أيضا: انه قالها على لسان بعض الناس، مما يشعر بتحرجه من ذلك ... ».

و أخيرا ...

فاننا حين نسمع الشريف الرضى رحمه اللّه يقول:

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 38 و اعرض عن كأس النديم كانهاو ميض غمام غائر المزن خلب

و قوله:

و قور فلا الالحان تأسر عزمتى و لا تمكر الصهباء بى حين اشرب

فاننا نعرف: ان ذلك ما هو الاسترسال شاعر، لا يمكن ان يريد به معناه الحقيقى المطابقى ابدا ... و انما يريد به التأكيد على لازم المعنى ليس الا ... ثم هو يتبع ذلك بقوله:

و لا أعرف الفحشاء الا بوصفهاو لا انطق العوراء و القلب مغضب

الخلاصة الأخيرة

: و بعد كل ما تقدم .. نقول: انه اذا كان السيد الشريف رضوان اللّه تعالى عليه، و تغمده برحمته، يتحاشى حتى عن ايراد الكلمات النابية- حتى و هو فى مقام الهجاء فى شعره ...

و اذا كان يترسم طريق العفة، و الشرف، و الكرامة، و لا يجيز لنفسه ان يصدر منه شي ء مما يتعاطاه الشعراء، حتى أهل النبل و الكرامة منهم.

و اذا كان يربأ بنفسه حتى عن وصف الخمرة، و مجالس اللهو و الغناء ...

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 39

- اذا كان كذلك- فاننا لا نستطيع أن نتصوره مشاركا فى تلك المجالس، أو ممعنا فى تناول النبيذ، الذى يعتقد حرمته تدينا، و هو الرجل الورع الزاهد، و النزيه الجليل، الشريف النفس، عالى الهمة ...

لا سيما و هو يعلم: أن هذه المجالس، و تلكم الاحوال، لا تخلو من صدور شي ء مما يتنافى مع الشرف، و الكرامة، و السؤدد ...

و هكذا ... فاننا نجد أنفسنا مضطرين لقبول قول بعض الباحثين: انه رحمه اللّه: «لم يجالس الخلعاء و الظرفاء ... الذين يستخفون بالنواميس فى أيام شبيبته ... ».

و يقول: «... و لم يكن حتى فى ابان شبيبته يسامر الظرفاء، الذين يغازلون و يتغزلون ... ».

و يقول: «... و نحن لتلك العزة، و تلك المروءة و الانفة، نذعن لآخر نظرة: أنه لم يقترف مأثما ... ».

ثالثا:

قال الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو :

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 40

«... و كان الرضى شديد النكير على من يشرب النبيذ. و قد نفى خبرا جاء فى: «مختصر الكرخى» مفاده: أن عبد الرحمن ابن ابى ليلى شرب نبيذا عند على بن ابى طالب (رض). و قال فى التعقيب عليه:

«... و لأن المعلوم الظاهر، و المنقول المتداول: أن امير المؤمنين، و الاخيار من ولده عليهم السلام، لم يزنّوا قط بمثل هذه الفعلة، و لا عرفوا بهذه الخلة ».

فكيف يخرج نفسه عن زمرة هؤلاء الاخيار؟. و قد التزم الرضى هذا الخلق الصارم منذ شبيبته، و أعلنه فى أوائل ما قال من الشعر إلخ ...».

ثم يذكر نماذج من شعره الدال على ذلك ...

و رابعا:

يقول المعتزلي الحنفى، و غيره:

«حدثنى فخار بن معد الموسوى، قال: رأى المفيد فى منامة، كأن فاطمة بنت النبي دخلت اليه، و هو فى مسجد بالكرخ و معها ولداها الحسن و الحسين (ع) صغيرين، فسلمتهما اليه، و قالت: علمهما الفقه ...

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 41

فانتبه متعجبا.

فلما تعالى النهار فى صبيحة تلك الليلة، دخلت اليه المسجد، فاطمة بنت الناصر، و حولها جواريها، و بين يديها ابناها: محمد، و على، الرضى و المرتضى، صغيرين، فقام اليها، و سلم.

فقالت: أيها الشيخ هذان ولداى قد احضرتهما اليك، لتعلمهما الفقه.

فبكى المفيد، و قص عليها المنام. و تولى تعليمهما، و فتح اللّه عليهما من العلوم، ما اشتهر فى الآفاق. ».

الا ان لنا على هذه الرواية ملاحظة، و هى:

أن هذه الرواية تذكر:

الف: ان الرضيين رحمهما اللّه تعالى، كانا حين جاءت بهما امهما الى الشيخ المفيد صبيين صغيرين ...

باء: ان ام الرضيين رحمهما اللّه تعالى، قد خاطبت المفيد رحمه اللّه، بقولها: «أيها الشيخ»،

مع أن المفيد قد توفى سنة 413 ه. ق. عن سبعة و سبعين عاما، و قد كانت ولادة المرتضى

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 42

رحمه اللّه تعالى فى سنة 355 ه.، و ولادة الرضى رحمة اللّه كانت فى سنة 359 ه.

و معنى ذلك: أن عمره رحمه اللّه تعالى حين ولادتهما كان 20 و 23 عاما فلو انها اتت بهما اليه، و عمرهما عشر سنوات، او ثلاث عشرة سنة لكان عمر المفيد آنئذ ما بين الثلاثين و الخمس و ثلاثين عاما.

و معنى ذلك: أنه رحمه اللّه قد كان فى عنفوان شبابه، فلا يصح منها مخاطبته ب «أيها الشيخ»!!.

الا ان الحقيقة هى: أن ما تقدم لا يضر فى صحة مخاطبتها له بذلك، اذ أن المراد بالشيخ هو شيخ التعليم. و ايضا، فقد لقب المفيد بالشيخ المفيد، و هو فى عنفوان شبابه، فيمكن ان تكون قد جرت فى مخاطبها له على مقتضى هذا اللقب الذى عرف به ...

هذا ان لم نقل: ان هذه الكلمة مقحمة من قبل الناقلين، اجتهادا منهم ...

الحسد و البغى هما الداء الدوى

: و مهما يكن من أمر ... فاننا بعد تلك الجولة الطويلة، لنقطع بأن رواية كوران المغنى، لا أساس لها من الصحة ...

و لعلها من وضع و اختلاق حساد الشريف، الذين لم يشف

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 43

ما فى صدورهم موت هذا الرجل الفذ، و النابغة العبقرى ...

حتى راحوا يحسدونه حتى على ما يرثيه به الشعراء، و تجود به قرائحهم، فنجدهم يعيبون عليهم رثاءهم له بما يظهر سموه، و نبله، و عظمته، و تميزه ... كما كان الحال بالنسبة لمهيار الديلمى، الذى لم يتراجع عن موقفه، و لا لانت له قناة فى وجه كيدهم و حقدهم، بل صمم

على أن يكيدهم، و يثير المزيد مى كوا من حقدهم، فراح يرثيه بقصيدة أخرى، تظهر المزيد من فضائله، و مزاياه، و تشيد بمآثره، و تصدع بجلائل كرائمه ...

فرحم اللّه السيد الشريف، و رحم اللّه مهيارا و لا حول و لا قوة الا باللّه.

جعفر مرتضى العاملى يوم الاثنين 21 ربيع الاول 1406 ه. ق 16 دى 1364 ه. ش.

6/ 1. 1986 م. ش.

أكذوبتان حول الشريف الرضي، ص: 44

كلمة أخيرة

: و بعد ... فقد كانت تلك المامة سريعة ببعض ما يمكن أن يقال حول تينك الاكذوبتين، نقدمها الى القارئ الكريم، على أمل أن يجد فيها، ما ينقع الغلة، و يبل الصدى ... مؤكدين على ان دراسة الامة لحياة عظمائها، و التعرف على مآثرهم و مفاخرهم من أجل أن تختزن ذلك فى صميم وجودها، ليكون الرصيد الروحى، و الفكرى و العاطفى، الذى تملكه الامة، و يقوم بدور هام فى بناء شخصيتها ... و لتستفيد من ذلك فى بناء حاضرها، و التخليط لمستقبلها، بوعى و حيوية و مرونة ...

نعم ... ان قيام الامة بدراسة لذلك من أجل ذلك، ليعتبر مؤشرا قويا على مستوى وعى هذه الامة، و على عمق، ادراكها، و سلامة تفكيرها ... و من ثم على نظرة واقعية، و نبل و سمو فى الآمال و التطلعات.

وفقنا اللّه جميعا للاستفادة الصحيحة من ماضينا فى بناء حاضرنا و التخطيط لمستقبلنا و رزقنا الرشاد و الهداية ... انه خير مأمول و اكرم مسئول.

ايران- قم المشرفة جعفر مرتضى العاملى

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.